القامشلي92/9/09 شوكوماكو
مسحر رمضان, ذلك الشخص الذي أثير الكثير عنه في القصص و الحكايات, الشخص الذي شغل الناس أكثر من غيره أيام رمضان, والذي كان لابد منه ذات يوم, أما في أيامنا هذه, فإنه قد ولى عليه الزمن وبدا باهتا في قيمته ومضحكا في سيرته ومزعجا في طبلته, نعم لقد كان يسحر الناس في سحورهم, ويعينهم على الاستيقاظ في الوقت المناسب لكي لا يبقى أحد بلا سحور, فكان هذا يعاتبه إن لم يمر أمام بيته, والآخر يذهب إليه حتى بابه ليذكره بضرورة أن يدق عليه أكثر لأن نومه ثقيل, وحتى الأطفال ما كان منهم إلا أن يطلبوا من آبائهم أن يوقظوهم, ليسمعوا صوت طبلته وصوت ألحانه الشجية وهي تتردد منتصف الليل لا لتزعج بل لتكون بردا عليهم وسلاما.
ولكن بقاء الحال من المحال, فطبلة المسحر استبدلت بالمنبه, وصوته استبدل بأغاني تطلقها الهواتف النقالة المعيرة على ساعة السحور, أما أن يأتي المسحر ويدق عليك الباب, أو أن يمر أمام بابك منشدا وضاربا على الطبل, فهذا هو الأمر المزعج تماما, والذي لا يمكن تحمله على الإطلاق, ولذلك جاءت الشكوى التي قدمها مجموعة من أهالي مدينة القامشلي إلى مدير أوقافها, ضد أحد المسحرين, بحجة أنه يزعجهم, وأن من بين من يزعجهم بطبلته من هم ليسوا بمسلمين, وإن كانوا مسلمين أيضا, فإنه لابد له من عدم المرور أمام أبوابهم وعدم إزعاجهم بهذا الصوت العتيق أو البالي كما قيل, ولذلك طلب مدير الأوقاف أن ينظموا عريضة يوقع عليها أهالي الحي المقدم للشكوى, وهو حي ( حلكو ) ليصار إلى منع المسحر من المرور في تلك الحارة, وإن أمكن محاسبته.
وقيل حين قدمت الشكوى, بأن المسحر ما هو إلا مرتزق, وأنه يزعجهم, وأنهم لا يريدونه ولا يطيقون سماع طبلته.
ولم يكن من أحد أهالي الحي, وقبل تقديم الشكوى, إلا أن هاجم المسحر وكسر طبلته ومزقها, فهل آلت الأحوال إلى أن ننسى كل ما زين به رمضان من تقاليد كانت تشكل حلاوة هذا الشهر وتميز لياليه عن غيرها ؟ وهل يجب الاستسلام أمام الواقع التكنولوجي الذي أصبحنا عليه, والذي لم يعد يمتعنا برمضان, ولم يعد يثير فينا أي نوع من الحنين إلى المسحراتي والحكواتي وغيرهم من رواد هذا الشهر الكريم؟.
من جهة أخرى علينا أن لا ننسى بأن هناك بعض من هذه التقاليد التي استبدلت بما هو أسوأ, فماذا يعني أن تطلق مدفعا في السحور, يوقظ الذي نوى على الصيام والذي لم ينوي؟ أليس مزعجا أن تستيقظ هلعا من صوت هذا المدفع الذي يتناوب على إطلاقه بعض من محبي إزعاج الآخرين ومحبي الظهور؟
إذا فلا عتب على من اشتكى على المسحر إذا ما كانت هذه هي الأساليب التي يلجأ القائمون على تنبيه الناس إليها.
ولكن كيف لنا أن نقدم لذاكرتنا عن هذه الأيام ما يمكن أن نعود إليه يوما كذكرى جميلة, إذا ما كنا نود أن يتقاعد المسحر ويكف المؤذن عن النداء للسحور والإمساك وصلاة الصبح مرارا وتكرارا؟ وإذا كنا نقدم الفتاوى بعدم جواز هذا التقليد الرمضاني وذاك لأجل راحة البعض, وقتل التقليد الذي كان حلما حتى للأطفال يوما ما؟
أم أن التفكير في تلك الذكريات ما هو إلا أمر رومانسي لا فائدة من وراءه, وعلينا أن نفكر بما هو أجدى كأن نفكر بأسعار رمضان ومعاتبات هذا لذاك وتكفيره له لأنه لم يصم وبالبرامج التلفزيونية التي لم تقدم لنا أي جديد؟ أم نقول فقط أعان الله المسحرين وضرب الذلة على المسحورين؟.